-->

Header Ads

الصوم جنة

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). ومن مقاصد الصيام مختصرا ما يأتي:
1- رفع درجات التقوى: وهذا الهدف جاء صريحا في القرآن الكريم في آيات فرضية الصيام: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)/البقرة: 183/، فإن العبد يزيد تقوى بأي عبادة شرعية ، والتقوى هي أمارة الإيمان والعمل الصالح، ودليله على الخير، وحرزه من المعاصي، وكلما زاد الإنسان عبادة زاد تقواه، ومهما ضعفت ضعف تقواه، فيأتي رمضان عبادة أو وسيلة لرفع درجات التقوى، والله لا ينال من عبادات العابدين، وإقبال الساعين إليه إلا التقوى، وهذا ما وضحه عدد من الآيات القرآنية، لهذا لا يحقق أحد التقوى الذي أنيط به الصيام حتى يعين قصده من صيامه، فمن صام دون نية التقوى، أو قصد العبادة والتقرب، فإنه لا يقع له أجر العبادة وفضل التقوى، وهذا ما أشار إليه أبو السعود، حين قال: لعلكم تصلون بالصيام إلى رتبة التقوى.
ويترتب على هذا المعنى أن النفس تمتنع بالتقوى من ارتكاب كل مفاسد الصيام من الأمور الحسية والمعنوية، فلا تتخيل المعاصي التي تفسد عليه صيامه، أو تتعاطاها، فالتقوى تكون لجام النفوس تكبحها من سفاسف الأمور، وتأمرها بمعاليها. وقد وصف ابن القيم هذه الحالة للصائم فقال: إن الصائم لا يفعل شيئا، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارا لمحبة الله ومرضاته، وهو سر بين العبد وربه. (زاد المعاد: 2/27)، وهذا الإيثار في ترك مستحبات النفس لمرضات الله وقربه نتج عن فهم حقيقة التقوى والتماسها بالعمل.
2- تزكية النفس بالصيام : ويظهر هذا المعنى من الغاية الأولى  – لعلكم تتقون – وهي علة صريحة  منصوص عليها في الكتاب، فإن النفس حين تنالها التقوى بالصيام فإنها تزكو وتنقى من الأفعال المانعة من كمال أجر الصيام، فالصوم كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم جُنَّة، والجنة – بضم الجيم وتشديد النون – وقاية تقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات، فالصوم يمنع ما يوقع النفس في الشهوات أو في المعاصي التي ترديها في النار، وذلك بأن يزكي له نفسه فترتقي على علية الفضائل، وتحقق العبودية الكاملة لله،  فكان من تتمة الحديث: “فإذا كان أحدكم يوماً صائماً فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شتمه أو قاتله فليقل: إني صائم”.
وكأن الحديث يشير إلى أن هذه الجنة تضعف بالرفث واللغو في نهار رمضان! وتقوى حين يكف عن الاسترسال في هذه الموانع من فضول الكلام والنظر .. يقول مصطفى السباعي: قدم الحكمة من الصيام ثم بين آدابه، ليكون أوقع في النفس وأعنق أثرا وليكون المؤمن أكثر اطمئنانا إلى العبادة حين يؤديها، وإلى التشريع حين ينفذه. ويقول ابن الهمام – في فتح القدير: إن الصوم يسكن النفس الأمارة، ويكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج، فإن به تضعف حركتها في محسوساتها، ولذا قيل: إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء وإذا شبعت جاعت كلها. ونقل ابن حجر عن السلف: أنهم اتفقوا أن المراد بالصيام صيام من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا.
ويظهر من هذه الغاية أن الإنسان ينال بالصيام تزكية النفس وتطهيرها من هواجسها وإغواءاتها، وهذا المعنى مستفاد من  الهدف الأول وهو التقوى، وقد ربط الشرع بين التقوى وتزكية النفس فقال جل شأنه: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (النازعات: 40-41). ومخالفة الهوى هي تزكية النفس ولا تكون إلا بالخوف من الله والرجاء في عفوه وانتصار النفس على شهواتها ونزواتها، ويحقق ذلك بالعبادة.

ليست هناك تعليقات